عبدالله500 المدير العام
الجنس : عدد مساهمات العضو : 4005 نقاط : 8261 السٌّمعَة : 70 تاريخ الميلاد : 12/08/1993 تاريخ التسجيل : 25/07/2010 العمر : 31
| موضوع: وساوس عزازيل 29/8/2010, 6:21 pm | |
| منذ أن قرأت رواية [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وأنا مستسلم لقراءة الأدب والأعمال الروائية على وجه التحديد، ومؤخرا انتهيت من رواية عزازيل للكاتب يوسف زيدان. كالعادة في بلادنا، الأعمال التي تثار حولها الشبهات هي التي تقرأ ويكون لها من الشهرة نصيب، لكن هذا العمل بمعزل عن الضوضاء التي أثارها، عملٌ مبدع وجميل وأنا شاكر للوقت الممتع الذي قضيته في قراءتها.
المؤلف خدعني لأول وهلة بتقديمه للرواية بقلم المترجم، وتوظيفه لأحداث تاريخية حقيقية وقعت كان موفقا للغاية. والحقيقة أن هذه الرواية حفزتني للإطلاع على اللاهوت المسيحي ودراسته، رغم أنني فيما مضى قرأت الكتاب المقدس وشيئا يسيرا من اللاهوت، لكن الرواية كشفت جهلي شبه التام بهذا المجال.
الإشكاليات التي يثرها الإيمان، والعقيدة تحديدا هي إشكاليات فلسفية بامتياز رغم القطيعة الظاهرية بين الأديان والفلسفة ورغم محاولات الرفض المتواترة للفلسفة من قبل المتدينين. ومع ذلك لا سبيل لهم سوى الفلسفة والمنطق لإرساء دعائم العقيدة وجعلها متسقة بذاتها. والسؤال الذي يخطر لي على هامش الرواية، ألسنا اليوم بحاجة إلى الفلسفة والفلاسفة أكثر من أي وقت مضى؟ الإجابة تحتاج إلى بحث منفصل.
السؤال الآخر: هل المسيح هو تطابق اللاهوت مع الناسوت أم هو نافذة تجلت فيها كلمة الإله وترك نوره يسري من خلالها ؟
سؤال لا يمكن الإجابة عليه بسهولة وبيقين تام، حتى لو توافق كل البطاركة على إجابة موحدة، فالإجابة ستكون من قبيل مقتضى الإيمان وإخماد الشكوك. فالذات الإلهية تعجز العقول عن إدراكها والإحاطة بها، ولا سبيل سوى الإيمان ليكمل ما عجز عنه الدليل العقلي. خصوصا أن فكرة الأقانيم الثلاث وتداخل الإلهي بالإنساني في اللاهوت المسيحي تثير مشكلات معقدة على مستوى الإدراك العقلي. فضلا عن جنوح الإنسان العفوي إلى تجسيد المجرد ليسهل إدراكه، فما بالك بفكرة الإله مستحيلة الإدراك! لا بد إذا من التجسيم بطريقة ما، الله بذاته العلية استخدم التجسيم في وصف ذاته.
وأي خلاف جوهري على قضايا أساسية في العقيدة في أي دين كان أو أيديولوجية، سيفضى إلى نزاع يجنح فيه كل فريق ليس إلى تهميش الفريق الثاني فحسب وإنما إلى إجتثاثه من جذوره فكريا وعمليا، فلا مهادنة في مثل هكذا مسائل لأنها ستفضي إلى تشرذم العقيدة واتباعها وتنشئ أديانا بدل الدين الواحد. إلا أن الفكر الإنساني يفعل فعله بالنهاية.
التأثير الذاتي لتكوين زيدان المسلم ترك أثرا واضحا على أجواء الرواية خصوصا الراهب هيبا – وبعض آراء نسطور على ما أظن كوني لا أدري عن النسطورية كثيرا-، فمجمل أفكاره وهواجسه أقرب ما تكون إلى الإسلام بل وحتى استسلامه السهل جدا لغوايات أوكتافيا ومرتا، أرده إلى النظرة الإسلامية للرهبنة من حيث أنها تحرم الإنسان من غريزة مهمة وحيوية وهي بذلك لا تتفق ومقتضيات النواميس الإلهية التي لا بد لها أن تنتصر على أهون الأسباب. حتى أن نهاية الرواية جاءت متفقة مع ذلك من خلال هروب هيبا من الدير ليعيش حرا بعد أن دفن ما كتب وأوهامه أيضاً على حد تعبيره. على العموم هذا التأثير لا يمكن التخلص منه مهما حاول المؤلف.
لاحظت أيضا إنحيازا لصف الوثنيين وإظهارهم بمظهر الشعب المتفتح المحب للحياة والعلم والفكر وعلى النقيض المسيحيين بأنهم مجموعة من الهمج المجرمين، بل هم كالجراد، يأكلون كل ما هو يانع في المدينة، ويملأون الحياة كآبة وقسوة كما قالت الحاجة أوكتافيا – يمكن سحب التوصيف على بقية الديانات السماوية-. لا أنكر بالطبع أن لحية شعثاء غبراء لاحت بين عيني عندما قرأت هذه العبارة التي لا تفتقد المصداقية تماما.
الرواية تركت لدي مجموعة من الأسئلة التي أتمنى على من لديهم المعرفة الإجابة عليها، مثل لماذا الكنيسة القبطية اقترنت بمرقص الرسول؟ ولماذا اتخذت الأسد شعارها؟ ولماذا اجتبى السيد المسيح بطرس الرسول من بين حواريه ليقيم عليه كنيسته؟ وما هو تفسير قول السيد المسيح: ما جئت لألقي سلاماً بل سيفا.
قبل أن أقرأ الرواية صدف أنني شاهدت فيلم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الذي يتحدث عن مقتل العالمة هيباتيا، وعن العنف والعنف المضاد بين المتخالفين بالمعتقدات، وكيف أن من يملك السطوة يدمر الآخر تدميرا ويفنيه عن الوجود، وأن صوت المنطق والعقل مهما علا وسطع نوره لا حامي له من رعونة الدهماء. لم أجد الفيلم يتناول أحداثا تاريخية بقدر ما هي أحداث ومنهج قائم حتى اليوم!
لم أحب البابا كيرلس لا في الفيلم ولا في الرواية، وأكثر ما أزعجني منظر تحطيم المكتبة وحرق الكتب وكل التراث العلمي والفلسفي الذي أبدعته الإنسانية قبلا، لمجرد أنه ينتمي إلى حقبة وثنية! فضلا عن ذبح هيباتيا فقط لأنها كانت نغما مضيئا في عتمة ليل الخفافيش.
ترى لو قيض لذلك التراث البقاء كيف كان سيكون تأثيره على مسيرة الحضارة؟ نفس السؤال يراودني كثيرا كلما تذكرت مذبحة الكتب التي قام بها المغول.
كنت أتمنى لو قامت جهات مسيحية باغتنام الفرصة والإجابة على كثير من التساؤلات التي أثارتها الرواية “ رغم أنها عمل فني” من باب إثراء المضمون الثقافي. عوضا عن الإنتقادات التي نالت منها، لكن العقلية الثقافية المعروفة لنا تحكم الجميع.
وأحمد الله كثيرا على أن الرواية لم تثر حفيظة المسلمين أيضا، لأن الكاتب كثيرا ما أشار على لسان عزازيل، أن وجوده وجودا ذاتيا مرهون بالإنسان نفسه ولا وجود موضوعي له أبدا. وهو بذلك ينكر وجود الشيطان المستقل عن الإنسان مما يعتبر كفرا وهرطقة. لكن يبدو أن اتجاه الرواية المسيحي لم يجعل أحدا من المسلمين حماة الدين ينتبه إلى هذه الجزئية الهامة.
أخيرا رجال الدين ورجال السياسة صنوان لا يفترقان بينهما مصالح لا تنتهي طالما أن الهدف المشترك هو السيطرة على جموع المعذبين في الأرض، ولا يهم في هذا السبيل تشويه الحقائق وخلق الأكاذيب والإنحياز للباطل ولعزازيل.
| |
|
casillas الادارة
الجنس : عدد مساهمات العضو : 4076 نقاط : 9554 السٌّمعَة : 5 تاريخ الميلاد : 01/03/1996 تاريخ التسجيل : 11/07/2010 العمر : 28 الموقع : m.ahmed500@yahoo.com العمل/الترفيه : الكمبيوتر
| موضوع: رد: وساوس عزازيل 29/8/2010, 10:30 pm | |
| | |
|